العلمانية وتأثيرها على الدين
إن مسألة العلمانية التي قد شاع صيتها في أوساط المجتمعات الغربية وذلك بسبب ظروف سياسية واقتصادية و اجتماعية قاسية وفي ظل تهميش العلم الحديث والعلماء,ومن أوروبا التي انطلقت منها إلى بقية أرجاء العالم ,كانت العلمانية كفكر قد انتشرت انتشارا عرف بالتدريجي ويرجع ذلك إلي عدة أسباب منها معاداتها للدين واختلاف أفكارها التي تأتي من قوانين سطرها البشر بنفسه وعمل منها ما يسمى المنهاج الفعال ,فهذه الأفكار لغت معارضة وبشدة من لدنا رجال الدين والكنيسة في الغرب حيث كانت بداية ظهورها ,و مع رفض تلاها حين انبثقت في العالم الإسلامي عن طريق الاستعمار و الحروب ,فتمت محاربتها نظرا لتعارض طريقتها مع الدين و تهميشها له و لكن العلمانية استطاعت أن تنتصر في الغرب وتضعف ثقل الكنيسة وسلطتها على النظام وإعطاء العلماء مكانتهم ,فمع التداعيات والأسباب الموجودة لظهورها في الغرب إلا أنها استطاعت مد جسورها التوسعية إلى كل الديانات ومن بينها الإسلام خاصة وتأثيرها على الأنظمة القائمة على أساس مبادئ الدين الإسلامي .
مفهوم العلمانية.
العلمانية لها معاني عدة تختلف حسب رؤية أفكار بعض المفكرين ولكنها في الحقيقة تعني ببساطة إبعاد الدين عن الحياة أو فصل الدِّين عن الحياة أو إقامة الحياة على غير الدِّين؛ سواء بالنسبة للأئمة أو للفرد.
أما أصل كلمة علمانية فهي ترجمة غير صحيحة للكلمة اللاتينية (SECULARISM) وترجمتها الصحيحة هي: اللادينية أو الدنيوية, بمعنى ما لا علاقة له بالدين ويؤكد هذه الترجمة ما ورد في دائرة المعارف البريطانية في مادة (SECULARISM) "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها؛ وظل الاتجاه إلى الـ(SECULARISM) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية كما يؤكد أن ترجمة الكلمة اللاتينية هي اللادينية؛ ما أورده معجم أوكس فورد شرحاً لكلمة (SECULAR):
(1) دنيوي أو مادي، ليس دينياً ولا روحياً مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
(2) الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
فالاسم ليس له صلة كما يدعى البعض بالعلم لأنه كما ذكرنا أن أصل الكلمة باللاتينية ليس له علاقة بالعلم، والذين ابتدعوها لم يريدوا بها العلم من قريب ولا من بعيد. ولو أرادوه لاستخدموا ما يشير إلى النسبة إلى العلم هي (SCIENTIFIC) لأن العلم بالإنجليزية (SCIENCE)
كما استعمل المصطلح من قبل مفكري عصر التنوير بمعنى(المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة لصالح الدولة) ثم تم تبسيط التعريف ليصبح ( فصل الدين عن الدولة) ولقد تطور المعنى ليصبح أكثر شمولا؛ فالعلمانية هي (العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لابد من أن تكون لمصالح البشر في هذه الحياة الدنيا؛ واستبعاد كل الاعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بالإله أو الحياة)
والعلمنة هي تحويل المؤسسات الدينية وممتلكاتها إلى ملكية علمانية، والى خدمة الأمور الزمنية.
مفهوم الدين.
لغة:
الدين أو الديانة من دان - أي خضع وذل - ودان بكذا فهي ديانته وهو دَيِّن وتديَّن به فهو متدين ، والدين إذا أطلق يراد به ما يَتَدَيَّنُ به الرجل ، ويدين به من اعتقاد وسلوك. وبمعنى آخر ، هو طاعة المرء والتزامه بما يؤمن به ويوافق عليه من أفكار ومبادئ ويعتقد أن فيها صالحه العام
اصطلاحا:
يعتقد البعض أن التعريف الاصطلاحي للدين لا يمكن أن يكون تعريفا عاما شاملا وإنما التعريف العام يمكن أن يكون. هو التعريف اللغوي له أما التعريف الاصطلاحي فيؤخذ من كل أهل وبذلك يكون التعريف الاصطلاحي خاصا يصطلح عليه كل أهل كل دين عن دينهم ويعتقدونه ويعلمونه، ويكون تعريفا واضحا ثابتا ومفهوما بقدر ما تكون هذه الديانة واضحة ومفهومة التي يعبر عنها هذا التعريف فالدين عند المسلمين هو الإسلام وهو أن تعبد الله ولا تشرك به احد و تؤمن أن محمد بن عبدا لله رسوله أما في المسيحية فولائك يؤمنون بالثالوث (الأب,الابن والرب) وهذه الأخيرة إنما هي امتداد للديانة اليهودية وهناك الكثير من الديانات لكل واحدة اعتقادها الخاص .
سبب ظهور العلمانية.
إذا بحثنا عن الأسباب التي أدت إلي ظهور العلمانية نجد ان التاريخ يقول لنا :انه من الأساس اعترفت النصرانية بوجود سلطتين: سلطة الله,وسلطة قيصر وذلك في الجواب المشهور المنسوب الى عيسى –عليه السلام-ردا على السؤال الذي وجهه إليه اليهود حول ولائه السياسي .وقد غلب جانب الكنيسة منذ بدايات العصور الوسطى المسيحية على جوانب الحياة السياسية في اوروبا بشكل خاص بصورة مباشرة أو غير مباشرة تكاد إن تكون صاحبة السلطان المطلق على كل شي .فبكونها مؤسسة دينية فلها أن تكون سلطان مطلق على روح الفرد وعقله وسلطان على الأسرة من حيث صيرورتها وحلها ,وعلى مؤسسات الدولة بكونها سلطان الله في الأرض . فكانت العلمانية قد ظهرت عند بعض المفكرين لتغيير هذا النهج و وبناء مؤسسات تعتمد عل الفكر و العقل و تسن قوانين من خارج إطار الدين, فبدأت في عصر التنوير مع بداية العصور الوسطى ويقولون ان الشخص الذي ظهر بفكرة العلمانية هو جورج هوليواكي,فالعلمانية هي نتاج صراع مرير، ومخلفات عقود من المعاناة عاشها الغرب المسيحي في ظل أوضاع غاية في التخلف والقسوة ، وليس العجب في تلك الأوضاع من حيث هي، ولكن العجب في ارتباط تلك الأوضاع المأساوية بالدين ، فقد غدت الكنيسة في الغرب المسيحي مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في ذات الوقت مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل ، وأصبح رجال الدين ( الاكليروس ) عبئا ثقيلا، وكابوسا مريعا، يسومون الناس سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، فقد كانت الكنيسة سندا قويا لرجال الإقطاع، بل كانت هي أعظم الإقطاعيين، الذين يستعبدون العامة فيستخدمونهم وأولادهم في العمل في أراضيهم ويفرضون عليهم قيودا وشروطا وإتاوات، جعلت من حياتهم جحيما لا يطاق، ليس أدنى تلك القيود حرمانهم وأولادهم من العلم، وأخذ جزء كبير من محصول الأرض التي يحرثونها، واستباحة الإقطاعي زوجة العامي في ليلتها الأولى، فإذا ما انتقلنا إلى جانب الخرافة فنجد أن الكنيسة قد رسَّخت في الناس الخرافة باسم الدين، فهناك صكوك الغفران التي يشتريها العامة مرغمين في بعض الأحيان، والتي بمقتضاها تزعم الكنيسة أنه يُغفر للإنسان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهناك العشاء الرباني وهو عبارة عن وجبة خبز وخمر يأكلها العامي ، ليتَّحِد بالمسيح حسب زعم الكنيسة، فليس الخبز - حسب زعمهم- سوى لحم المسيح ، وليس الخمر سوى دمه، في خرافة يأبى العقلاء تصديقها.
وأما تعامل الكنيسة مع من يخالفها في معتقداتها فهو العذاب والتنكيل والاتهام بالهرطقة " الكفر "، فعندما برزت بعض النظريات المتعلقة بحركة الأرض، وكرويتها على يد العلماء، قامت الكنيسة بالتنكيل بهم، فحرقت ، وسجنت ، وقتلت، في محاولة منها للحفاظ على سلطانها القائم على الخرافة والدجل، كل هذا وغيره دفع الناس إلى التمرد على سلطان الكنيسة، بغية الخلاص من بطشها وجبروتها، وولّد في نفوسهم شعورا عارما باحتقار الدين والنفور عنه ، فكان من نتاج ذلك أن ظهر الإلحاد كإطار عقدي في البعد عن إله الكنيسة ، وظهرت العلمانية كإطار عملي في البعد عن سلطان الكنيسة، واندفع الناس في هذين الإطارين حتى نادى بعضهم قائلا : " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس " ، لقد كانت ردة الفعل مندفعة ومتهورة ، لأن كبت الكنيسة كان قاسيا وطويلا . كما ظهرت العلمانية في الغرب في عصر التنوير ظهرت فكرتها أيضاً في الهند، وحصلت هذه الفكرة على دعم كبير من الهندوسيين، والدولة التي كانت الأسبق في تطبيق مبادئ العلمانية بشكل عام هي كندا. أما اليابان فقد سعت لتطبيق العلمانية بعد الحرب العالمية الثانية حين استلم السلطة الحزب الليبرالي الديمقراطي (وهو حزب ذو توجه علماني) والذي لا يزال حاكما إلى الآن بأغلبية ساحقة تسيطر على مقاعد البرلمان وعلى السلطة التنفيذية اليابانية، وفي تركيا بدأ تطبيق العلمانية في تاريخ 3 مارس 1924 م عندما قام مصطفى كمال أتاتورك بعزل الشريعة الإسلامية عن الحكم والسياسة .
العلمانية وشموليتها.
تميز كتابات الفلاسفة بين نوعين من العلمانية: الجزئية والشاملة.
العلمانية الجزئية:
هي رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية لمفهوم العلمانية، ومن ثم لا تتسم بالشمول. وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة، وربما الاقتصاد، وهو ما يُعبّر عنه بعبارة "فصل الدين عن الدولة"، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى من الحياة، ولا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية أو وجود غيبيّات وما ورائيات، ويمكن تسميتها "العلمانية السياسية" أو "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية".
العلمانية الشاملة
وهي رؤية شاملة للواقع تحاول بكل صرامة تحييد علاقة الدين والقيم المطلقة والغيبيّات في كل مجالات الحياة. ويتفرع عن هذه الرؤية نظريات ترتكز على البعد المادي للكون وأن المعرفة المادية المصدر الوحيد للمعرفة وأن الإنسان يغلب عليه الطابع المادي لا الروحي، ويطلق عليها أيضاً "العلمانية الطّبيعية المادية" (نسبة للطّبيعة والمادة).
مراحل العلمانية.
مرّت العلمانية الشاملة بثلاث مراحل أساسية:
مرحلة التحديث:
اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة، فلقد كانت الزيادة المطردة من الإنتاج هي الهدف النهائي من الوجود في الكون، ولذلك ظهرت الدولة القومية العلمانية في الداخل والاستعمار الأوروبي في الخارج لضمان تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية. واستندت هذه المرحلة إلى رؤية فلسفية تؤمن بشكل مطلق بالمادية وتتبنى العلم والتكنولوجيا المنفصلين عن القيمة، وانعكس ذلك على توليد نظريات أخلاقيّة ومادية تدعو بشكل ما لتنميط الحياة، وتآكل المؤسسات الوسيطة مثل الأسرة.
مرحلة الحداثة:
هي مرحلة انتقالية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تزايد وتعمق أثاره على كافة أصعدة الحياة، فلقد واجهت الدولة القومية تحديات بظهور النزعات العرقية، وكذلك أصبحت حركيات السوق (الخالية من القيم) تهدد سيادة الدولة القومية، واستبدل الاستعمار العسكري بأشكال أخرى من الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، واتجه السلوك العام نحو الاستهلاكية الشرهة.
تأثير العلمانية على الدين.
استطاعت العلمانية ان تؤثر على كثيرا من الديانات تأثيرا متفاوتا في المستوى فالمسيحية مثلا استطاعت أن تزيحها العلمانية عن عرشها التي كانت تجلس عليه قبل القرون الوسطى لكن العلمانية في الغرب لم تقضي على الديانة المسيحية بشكل نهائي ولكن جعلت دورها محدود وفي مجالات ضيقة ففي مؤسسات الدولة على سبيل المثال أصبح النظام العلماني هو الحاكم والمسيطر علي سياسة الدول الخارجية والداخلية وأما في الدين الإسلامي فقد ظهرت هذه الأفكار في القرن العشرين وكانت نتيجة للأ ستعمار الغربي الزاحف على البلدان الإسلامية ,ورغم انبثاق مصطلح العلمانية من رحم التجربة الغربية، إلا أنه انتقل إلى القاموس العربي الإسلامي، مثيراً بذلك جدلا حول دلالاته وأبعاده. و الواقع أن الجدل حول مصطلح العلمانية في ترجمته العربية يعد إفرازاً طبيعياً لاختلاف الفكر والممارسة العربية الإسلامية عن السائد في البيئة التي أنتجت هذا المفهوم، لكن ذلك لم يمنع المفكرين العرب من تقديم إسهاماتهم بشأن تعريف العلمانية.و تختلف إسهامات المفكرين العرب بشأن تعريف مصطلح العلمانية، فعلى سبيل المثال:
* يرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري تعريف مصطلح العلمانية بإعتباره فقط فصل الكنيسة عن الدولة، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديموقراطية "حفظ حقوق الأفراد والجماعات"، والعقلانية "الممارسة السياسية الرشيدة".
* في حين يرى د. وحيد عبد المجيد الباحث المصري أن العلمانية (في الغرب) ليست أيديولوجية (منهج عمل)، وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشؤون الدينية. ويميز د. وحيد بين "العلمانية اللادينية" -التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل- وبين "العلمانية" التي نحت منحى وسيطاً، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها.
* وفي المنتصف يجيء د. فؤاد زكريا -أستاذ الفلسفة- الذي يصف العلمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة، ملتزماً الصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (مثل الأدب). وفي ذات الوقت يرفض سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع مقابل المادية "القيم الإنسانية والمعنوية"، حيث يعتبر أن هناك محركات أخرى للإنسان غير الرؤية المادية.
* ويقف د. مراد وهبة - أستاذ الفلسفة- و كذلك الكاتب السوري هاشم صالح إلى جانب "العلمانية الشاملة" التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبيّ وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزاً على العلم والتجربة المادية.
* ويتأرجح د. حسن حنفي-المفكّر البارز صاحب نظرية اليسار الإسلامي- بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ويرى أن العلمانية هي "فصل الكنيسة عن الدولة" كنتاج للتجربة التاريخية الغربية. ويعتبر د. حنفي العلمانية -في مناسبات أخرى- رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم. من جانب آخر، يتحدث د.حسن حنفي عن الجوهر العلماني للإسلام -الذي يراه ديناً علمانياً للأسباب التالية:
النموذج الإسلامي قائم على العلمانية بمعنى غياب الكهنوت، أي بعبارة أخرى المؤسسات الدينية الوسيطة.
الأحكام الشرعية الخمسة، الواجب والمندوب والمحرّم والمكروه والمباح، تعبّر عن مستويات الفعل الإنساني الطبيعي، وتصف أفعال الإنسان الطبيعية.
الفكر الإنساني العلماني الذي حول بؤرة الوجود من الإله إلى الإنسان وجد متخفٍ في تراثنا القديم عقلاً خالصًا في علوم الحكمة، وتجربة ذوقية في علوم التصوف، وكسلوك عملي في علم أصول الفقه.
يقول المفكر السوداني الخاتم عدلان الذي يعتبر من أبرز المنادين بالعلمانية في المنطقة العربية "ان العلمانية تعني إدارة شؤون الحياة بعيدا عن إي كهنوت كما ظهرت اتجاهات جديدة في تعريف العلمانية مثل التي تنص على ان العلمانية هي استعداد الفرد والمجتمع للاستفادة من خلاصة المنتوج البشري في سبيل تحقيق رفاهيته" .
الدين في ظل العلمانية.
من الهام بين الحين والأخر أن نفتح الأبواب والنوافذ, لكي نجدد هواء حياتنا الفكرية ,ولكن علينا إن نعلم دائما إن ما يدخل من هذه الأبواب وتلك النوافذ ليس الهواء النقي فقط , فقد تدخل الجراثيم والأتربة أيضا ,هنا ينبغي لنا إن نضع غربالا أو معيارا يسمح بدخول الهواء النقي فقط ,ويقلل بقدر المستطاع من دخول هذه الجراثيم وتلك الأتربة وذلك لكي نحمي مواطنينا ونصوصهم.
و هكذا ننتهي إلي وجود معايير للنقل الفكري بين الحضارات,فالمسلمون الأوائل لم ينقلوا فكر اليونان و الرومان والفرس إلا في أواخر القرن الثاني الهجري ,بعد إن دون القرآن,ووضع تفسير له ,وجمع الحديث ودونت علومه والعلوم الأخرى كالنحو والأدب على أيدي سيبويه والخليل بن احمد والجاحظ على التوالي,وبعد كل هذا بدا نقل فكر اليونان والرومان والفرس فكلها كانت على معيار الدفاع عن الدين.
نخلص من هذا إلى إن مسألة نقل الفكر من حضارة إلى أخرى أمر وارد, ولكنه يجب إن تمر من خلال مصفاة أو معايير تتعلق بالاتي:
1- مدى تشابه أو اختلاف الظروف الثقافية والاجتماعية و التاريخية والحضارية بين المنقول منه والمنقول إليه.
2- مدى تشابه أو اختلاف ملامح الشخصية العامة للأمة.
3- مدى اتساق هذا الفكر أو عدم اتساقها.
4- وقبل كل هؤلاء جميعا علينا النظر في مدى صحة هذا الفكر في حد ذاته.
و إذا أردنا إن نطبق هذا المعيار على هذا المفهوم (العلمانية) فسوف نخرج بالتالي:
1- لم تعرف البلاد الإسلامية الحكومة الثيوقراطية(أو الحكومة الدينية).
تلك الحكومة التي تدعى الحديث باسم السماء, والتي تدعى أن مفاتيح السماء حكر على الحكام ورجال الدين والتي توجب الطاعة العمياء على المؤمنين بها , فهذا المفهوم للحكومة التي تدعى كل ما سبق ,ليس موجود في الإسلام فالحكومة في الإسلام تقوم بتفويض من الناس وليس بتفويض من الله,إذن إن الله لم يعين أسماء الحكام المسلمين من نزول الوحي ,وحتى يوم الميعاد ,فالناس يحددون بأنفسهم من يرونه متوفر على شروط المسؤولية التي حددها القران الكريم وأيضا العلمانية ظهرت في الغرب لأسباب خاصة فالمسلمون بعيدون عنها ولا يربطهم بها رابط.
- الغرب رأى في العلمانية طريقا لتحسين مسار حياته التي عانت كثيرا من الصدمات خلال فترات طويلة من الزمن أدت إلى ضعف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومن الأسباب التي أدت أيضا إلى ظهورها هو الحجر على العقول والوقوف ضد كل إبداع فكري وعلمي بالإضافة إلي وجود النعرات الطائفية و الدينية ,والمتمثلة في بحور الدم التي أسيلت بين الكاثوليك و البروتستانت و نبذهم للأديان كلها بما فيها اليهودية مما أدى إلى تجمع الاوروبين وتحالفهم مع من تجمعهم معه مصالح مشتركة سعيا نحو الأهداف العامة بدون الالتفات إلى الانتماء الديني وجعل مكانه الانتماء القومي في الأوساط الغربية الباب الأمثل لخلق نهضة على أسس عقلية وفكرية .
إن الفكر العلماني الذي نشاء في كنف الغرب الذي كان يطمح في إعادة هيكلته بعد هيمنة سلطة المسيحية, و إثارة النزعات الطائفية, وتحجر العقل, أصبح شعارا يداوله بعض المتمرسين العرب و المسلمين الذين درسوا في مدارس الغرب على انه حل مثالي لتحسين الأوضاع التي يعاني منها المواطن العربي والإسلامي داخل بلده, وحل لمشاكله العالقة دون النظر في الشريعة الإسلامية , و توعية المجتمعات بإبراز ما بها من حلول لمشاكل العالم وليس فقط الدائرة التي تحوي المسلمين فالإسلام جاء بالوسطية والاعتدال وهو دين الله الذي يصلح لكل زمان ومكان القادر على حل مشاكل العالم اجمع وهو الذي بعقيدته استطاع المسلمين إن يصنعوا مجد حضارتهم وان يتفوقوا على الأمم السابقة, فليس الدين الإسلامي بحاجة إلى العلمانية ولا إلى أفكار تتغير بين عشية وضحاها أو على أنها نجحت مع الغرب ستنجح مع الشرق,و الذي يستطيع حل مشاكله ومشاكل العالم بأسره إذا تمعن في دينه وطبق شريعته على أحسن صورة ومثال, و في الأخير وصايتي لكل قارئ بالتدقيق في أفكار الغرب وتجنب كل ما يمس بديننا الحنيف و تقبل الأفكار والعلوم التي من شأنها أن تخدم مصلحة الدين الإسلامي و إعلائه.
الروابط
www.al-sham.net في بحث تحت عنوان العلمانية-1
2- في بحث تحت عنوان الدين ar.wikepedia.org
www.saaid.net3- بحث عن تحت عنوان العلمانية
4- كتاب التيارات الفكرية والحركات المعاصرة ص97-99 للدكتور احمد عبد الرحيم السايح.
5- كتاب العلمانية النشأة والأثر في الشرق والغرب(زكريا فايد).
www.islamweb.net. 6- تحت عنوان المذاهب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق