إن المتتبع العربي لاحداث ومجريات الاوضاع القائمة في المنطقة العربية يمكنه ان يقدم لك اسباب خلفيات بعض الصراعات الداخلية في دولنا العربية ,و يستطيع ان يحلل المشاكل الخارجية والدوافع التى ادت اليها, هذا ان لم يكن قادرا على التفاعل و تقديم حللة لهذه القضايا من رؤيته الخاصة, ولكن هناك بعض القضايا المصيرية والعادلة التى سييست وقدمت للشارع العربي على غير حقيقتها هذا ان لم تغيب اساسا فأصبح المتتبع العربي ضحية ما تمليه عليه انظمته بعيدا عن الموضوعية و الشفافية في الطرح , وعلى رأس هذه القضايا , قضية الشعب الصحراوي الذي يدافع عن حقه في تقرير المصير والاستقلال منذ سنة1973 والتى قل ما تتناولها الدول العربية رغم كونها قضية شعب عربي .
ان القضية الصحراوية ليست بقضية حديثة النشأة انما هي قضية مدرجة في لوائح الامم المتحدة منذ1963 على ان هذا الشعب له الحق في تقرير المصير مثله مثل باقي الشعوب التى مارست حقها في تقرير المصير واخذت استقلالها عن طريقه, ولكن الذي منعهم من تقرير مصيرهم واراد خلق شرخ في شمال القارة الافريقية هو الاستعمار الاسباني وللأسف الشديد كان بمباركة من المغرب وموريتانيا المجاورين للشعب الصحراوي وان كانت هذه الاخيرة قد اتخذت موقف الحياد بعد ذلك . الاستعمار الاسباني مكث على قلوب الصحراويين لقرابة قرن من الزمن, ولما انتفض هذا الشعب وقاومه بالقوة وفرض عليه جمع حقائبه قرر التآمر على حقه, و الانتقام منه حيث جسد ذلك في اتفاقية مدريد الثلاثية ,عندما وجد ارض خصبة في المغرب المصاب بمرض حب التوسع وموريتانيا التى كانت تحاول حماية نفسها من هذا التوسع ليعرض عليهما تقسيم الارض مقابل اخذ حصة كبيرة من خيرات الصحراويين, وجاء هذا التآمر بعد سلسلة من الوعود الكاذبة التي وعد بها هذا الشعب باعطائه حقه في ممارسة حقه في تقرير المصير والتى توعد فيها امام الامم المتحدة مرات عدة دون الإيفاء بوعده, والتى تبقى مسؤولية تاريخية موضوعة على عاتق اسبانيا , بالأضافة الى تقرير محكمة العدل الدولية والذي كان واضح وداعما لحق تقرير المصير وذلك عندما بين جليا ان السيادة ملك للشعب الصحراوي, و ذلك بعد ان تقدمت المملكة المغربية والكيان الموريتاني انذاك بكل الوثائق والأدلة التى قالا بانها تدعم احقية كل منهما في الصحراء الغربية ,ثم تلاه قرار لجنة تقصي الحقائق الذي جاء سنة 1975 والذي حث على ضرورة اعطاء الشعب الصحراوي حرية الاختيار وكلمة الفصل. وهناك من اخواننا العرب من لا يعرف ان جبهة البوليساريو هي حركة تحرير معترف بها من طرف الامم المتحدة على انها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي منذ سنة 1979, والتى حملت على عاتقها مسؤولية التحرير واسترجاع حق هذا الشعب المسلوب حين تأسست سنة 1973, كما اعلنت عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية سنة 1976 لتبين للعالم ان الدولة الصحراوية حقيقة لا رجعة فيها ,حيث اعترفت بالجمهورية اكثر من 80 دولة في العالم ,و اصبحت عضو في الاتحاد الافريقي و معظم هذه الدول من افريقيا وامريكا اللا تينية وبعض الدول العربية و التى اختارت غالبيتها الأصطفاف الى جانب المغرب و تجاهل قضية هذا الشعب العادلة.
فالشعب الصحراوي لم يرض بالوضع وهو يشاهد ارضه تقسم وهي التى اعطى من اجلها الغالي والنفيس وعلى من كانت تقسم ؟ تقسم على طرفين لم يدعموننا ولو بقطعة سلاح اثناء مقاومتنا ضد الاستعمار, فلذلك كان حتميا على جبهة البوليساريو الدفاع عن الوطن واعلان الحرب ضد الطرفين المغربي التوسعي من الشمال والموريتاني الدداهي من الجنوب حيث بدأ التركيز على موريتانيا الى ان تم التوصل الى اتفاق سلام سنة 1979 في الجزائر و الانسحاب من جنوب الصحراء الغربية ,و الذي تلاه بعد ذلك الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية سنة 1984 , وبقيت الحرب دائرة بين جبهة البوليساريو والنظام المغربي المحتل و الطامع في خيرات الشعب الصحراوي حتى تدخلت الامم المتحدة وتم الاتفاق على توقيف اطلاق النار سنة 1991 على اساس اجراء استفتاء حر يضمن للشعب الصحراوي تقرير مصيره بعد خمسة اشهر ,وهو المطلب الذي لم يتحقق حتى الان. والذي اصبح رهينة التلاعبات السياسية ولغة المصالح المبنية على البرجماتية النفعية التى تتبناها القوى العظمى في العالم والتى عادة ما تميل للأطراف القوية وتتجاهل الشرعية الدولية و تكيل بمكيالين للاطراف الضعيفة خاصة فرنسا التى تعتبر المغرب حارسها الشخصي في شمال افريقيا, وامريكا التى تراها حليفا من أيام الحرب الباردة و متعاون مخلص مع حلف النيتو,و بالاضافة الى كونه لا يجد حرجا في بناء علاقات وثيقة مع اسرائيل .
رغم كل هذه التحديات والصعوبات التى مرت بها و تمر بها حاليا القضية الصحراوية منذ اكثر من ثلاثة عقود والتخاذل العربي القديم الجديد وتقاعسه عن مناصرة حق هذا الشعب, والتى هي واجب عليه لكونه شعب عربي مسلم و يدافع عن قضية تصفية استعمار يدعمها المجتمع الدولي وكما نستثني بعض الدول التى بقيت وفية لنهجها ومناصرة للقضايا العادلة , فالشعب الصحراوي مازال وسيظل يكافح من اجل الانعتاق وبناء دولته على كامل وحدته الترابية التى لا تتجزأ مستمدا قوته من ايمانه بعدالة و مشروعية قضيته, ووفاء لنهج الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الكرامة وعزة هذا الشعب الأبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق