إن الكثير من الناس في عالمنا العربي يرى استحالة بناء وحدة عربية تجمع كل الدول العربية ,وتلم شمل هذه الشعوب المشتتة والمقسمة ,والمغلوب على حالها. لكن في الحقيقة الدول العربية ليست حالة اشتثناء من شعوب العالم التى حققت تقدما في هذا المجال واستطاعت ان تنهض بمستوى طموحات شعوبها حتى حققت وحدة متينة اصبحت مثالا يحتدى به, ولنا في اوروبا مثالا حي رغم الصعوبات التى حاولت ان تعيق هذا المشروع الكبير .
بعض دول اوروبا عانت كثيرا في الماضي بسبب حيف الدول الكبرى, ولكن تبين للأوربيين اخيرا ان المصير مشترك ولا بد من الوحدة المبنية على اسس سليمة تحترم الشرعية الدولية وخيارات الشعوب إحساسا منهم بروح المسؤولية الملقاة على اعتاقهم والتى تفتقد لها كثير من الانظمة في العالم الثالث, وتعزز الديمقراطية التى هي اساس كل نجاح; لأنه لا يمكنك ان تتخذ قرارات بدون استشارة القاعدة الشعبية التى تعود لها كلمة الفصل ,ولا يمكنك ان تمنع حرية التعبير المكفولة لكل فرد في المجتمع ,وحقه في اعتناق الفكر الذي يراه مناسا له ولمجتمعه ,فإينما اوجد الاختلاف فهناك الديمقراطية ,والاختلاف لا يفسد للود قضية ,وتبقى الحجة الاقوى هي كل قرار متفق عليه بالاغلبية . فالدول العربية التى لم تصل بعد الى هذا الصرح تركت المشاكل تتراكم عليها وتتزاحم حتى اختلطت عليها الامور وتعقدت اكثر واصبح من شبه المستحيل ايجاد حل لكل هذه القضايا مرة واحدة, فاصبحت تستخدم لغة مايسمى بالمسكنات او المهدى المؤقت كحل مؤقت للقضايا الاكثر حساسية بالنسبة لها ,وترك القضايا الاقل ثأثيرا تفتك بالمجتمع ولاتراعى لها بال,فمن هذه القضايا المصيرية قضية الشعب الصحراوي التى يتجاهلها المغرب و العالم العربي على السواء ; فالمغرب يتعنت ويرفض الرضوخ لحقيقة الامر الواقع الا وهي ان هذا الشعب له حقه في تقرير المصير وبناء دولته ان اراد ذلك, في جو من الديمقراطية وضمان حق الاخر لكي نبني مستقبلا مشرقا بعيدا عن لغة الضم والاضطهاد وتهميش الاخر. فنراه مرة يحاول ان يرضخ لأمر الواقع والاعتراف بحق هذا الشعب في تقرير المصير عبر استفتاء حر وهو ما تجسد في تصريح الحسن الثاني سنة 1983 حين قال انه يقبل بالأستفتاء مهما كانت نتائجه, ومرة يحاول ان يقدم مسكنات للقضية التى هي ليست حلا وبعيدة عن الحقيقة كاقتراح الحكم الذاتي الذي يتنافى مع مواثيق الامم المتحدة ولا يحترم مبدا الاختيار لهذا الشعب, فيحكم عليه سلفا انه مغربي وان الصحراويين انفصاليون وهذا خطأ من الاساس ,وكما يقال ما بني على خطأ فهو خطأ من الاساس, فيتوجب على المغرب احترام اختيارات هذا الشعب الذي عان لأكثر من ثلاثة عقود فما ان قاوم الاستعمار فإذا بجاره يتهجم عليه ويطمع في خيراته وللأسف ان هذا الجار تجمعه به لغة ودين و مصير مشترك.
الامثلة كثيرة في دولنا العربية حول هذه القضايا التى تحتاج منا الى وقفة صريحة والنظر بعين العقل والمصلحة المشتركة ,فبدون تجاوز هذه القضايا بكثير من الانصاف والرؤية الحكيمة لا يمكننا ان نحقق التطلعات التى نصبو اليها ,وتحقيق وحدة عربية قوية بعيدة عن لغة القوة و الصلف مع ان الوحدة غير مستحيلة والتفأول موجود.
إخواني الأعزاء, إنه ليحز في نفسي رؤية الكثير من المتشائمين الذين يرون استحالة قيام وحدة عربية متينة, ويكثرون من انتقاد العرب, وتشويه صورتهم دون سابق إنذار وكأن العرب حالة استثناء في هذا العالم لا يعرفون إلا الاستهلاك وإشعال نار الفرقة بينهم.
ردحذفلا يمكن في الحقيقة لأي متتبع لواقع الدول العربية أن ينكر وجود اختلافات في الرؤى المستقبلية بين هذه الدول, وتفاقم الصراعات الجمة داخل أوساطها ,والتي بالكاد قد تحول دون تجسيد هذا الحلم. لكن يبقى العنصر الأهم, والذي نعول عليه كثيراً آلا وهو أن كل طرف يدرك تمام الإدراك أن المصير مشترك والوحدة مطلوبة, وأن الضعف الحالي الذي تمر به الدول العربية سيؤثر حتما على دفع عجلة التنمية وبناء وحدة يطمح إليها كل فرد عربي , فتجسيد هذه الرؤية يتطلب الكثير من تضافر الجهود والإحساس بروح المسؤولية من اجل الإصلاح بدءاَ بتعزيز مبدأ الديمقراطية لتسهم في خلق مجال أفصح للإبداع الفكري وحرية الرأي والسعي إلى ترسيخ معالم دولة القانون لضمان حقوق الأفراد والمجتمع.